كم هي سعادتي بصدور قرار تكوين الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد. فعلاج المرض يبدأ بالاعتراف بوجود المرض، والفساد الإداري أشبه ما يكون بالفيروس أو الجرثومة أو السرطان يسري في جسد مجتمعاتنا وصور الفساد متعددة مثل الرشوة والمتاجرة بالنفوذ وإساءة استعمال السُلطة والتلاعب بالمال العام والتزوير والغش التجاري وغيره كثير.
إن تكوين هذه الهيئة الوطنية هو تأكيد وتوثيق وشهادة بَيِّنة أن ولي الأمر مُصمم على محاربة هذه الجرثومة والفيروس وعازم على استئصال هذا السرطان الذي يسري في المجتمع، وبإعلانه لهذه الحرب على الفساد الإداري والمفسدين قوَّى شوكة أهل الخير والمصلحين ومَايَزَ بَيْن الصفوف وانني انادي رجال الأعمال من أهل الخير والصلاح أن يجنِّدوا طاقاتهم ويسيروا وراء قائدهم ولي الأمر ويعلنوا حرباً على الفساد والمفسدين لا هوادة فيها ولا مداهنة. كان أهل الصلاح من رجال الأعمال حتى عهد قريب لا يجرؤون على أن يتحدثوا في المجالس الرسمية ويكتبوا عن الفساد الإداري والرشاوى وضياع الحقوق خشية أن يُتهموا في وطنيتهم ويُكاد لهم من المرتزقة الذين يعيشون على المال الحرام وينتفعون من انتشار وتفشي الفساد، وما علم هؤلاء المرتزقة الفاسدون أنهم هم أعداء الوطن وما يقومون به من أكل السُّحْت والرشوة وكل فساد إداري هو من أَمْقت صور الخيانة لله ولرسوله وللوطن.
كم هي سعادتي أن يُعلن ولي الأمر الحرب على كل هؤلاء ليعيد مفهوم الوطنية الحق إلى أرض الواقع مفهوماً وتطبيقاً فلا يتخفى خائن الوطن بثوب الوطنية.
وليس ببعيد عن ذلك أن ثمة مفاهيم كثيرة خاطئة لابد أن تتغير، ومن بينها أن التجارة أصبحت شطارة. وعندما نتعمق أكثر فنسأل هؤلاء التجار ماذا يقصدون بكلمة «أن تكون رجل أعمال شاطراً» فتجد أن تحت كلمة «شاطر» تندرج كثير من التعاملات غير الأخلاقية والبعيدة كل البعد عن المعايير الربانية وروح الشرع ومقاصده العليا وتحقيق مفهوم عمارة الأرض، ومراقبة الرب في الأخذ بالأسباب الطاهرة الشريفة بإصلاح النية، ومعاملة المسبب، وتحقيق الغايات النبيلة. ومثال ذلك أن يُبَرِّر التاجر «الشاطر» الرشوة بذريعة انه لا يأخذ حق غيره وبدونها تتعطل مصالحه، ويُبررها بانه يوازن بين المصالح والمفاسد، ومصلحة عمله تقتضي ذلك ولا يدري أنه يفسد المجتمع بأسره بعمله هذا، وصَدَق المجتمع وهو لا يدري عندما أضفى على هذا النوع من التجار اسم التاجر «الشاطر» ففي اللغة العربية الفصحى كلمة شاطر معناها سارق، والشاطر هو السارق والشطار هم السُرَّاق الذين يشطرون ويسرقون ما لا حق لهم فيه. سُئلت في المنتدى الاقتصادي الأخير في الجلسة الخاصة التي شاركت فيها بعنوان واجب المؤسسات تجاه مجتمعاتهم عن كيفية تغيير المجتمعات؟...
فكانت إجابتي هي أنه لابد أن نبدأ بأنفسنا، وسُقت أمثلة منها أن يكف رجال الأعمال وأصحاب الشركات الكبيرة عن استسهال اللجوء إلى الرشوة لإنهاء مصالحهم المعطلة التي كثيراً ما يعطلها المرتشون قصداً حتى يدفع صاحب المصلحة. وفي محاضرة ألقيتها قبل ستة أشهر لمجموعة من شباب رجال الأعمال ناديت فيها رجال الأعمال أن ينضموا معي في تطبيق طريقة عملية لمكافحة هذه الجرثومة اللعينة. فان واجهوا تعطيلاً مقصوداً لحقوقهم ومصالحهم من أجل إخضاعهم لدفع الرشوة فلا يقبلوا ولا يستسهلوا هذه الجريمة بل يطرقون أبواب الوزراء لإعلامهم بما يجرى في وزاراتهم من فساد لو علموا به لكانوا أول من حاربه وقضى عليه. وقد فعلت ذلك شخصياً عدة مرَّات ووجدت من كبار المسؤولين والوزراء تفاعلاً جيداً محموداً، وفي المقابل إن وجد رجال الأعمال موظفاً يحرص على القيام بمسؤولياته بكل إخلاص وأمانة وإتقان فليرسلوا بخطاب شكر إلى الوزير أن وضعوا هذا الرجل في هذا المكان فهو خير تمثيل للوزارة ولولي الأمر الحريص على أن يجد المواطنون حقوقهم أينما كانوا.
ومرة أخرى فقد أرسلت في السابق خطابات شكر وعلمت مؤخراً أن بعضها أعان على ترقية موظف نحسبه من الشرفاء الصادقين المخلصين وبذلك يساهم كل منا في إعانة وزرائنا على التعرف على الصالح والطالح من موظفي وزاراتهم وبذلك نكون قد ساهمنا في زيادة الخير وتقليل الشر ومكافحة الفساد الإداري عملياً.
ان تغير المجتمعات لابد أن يبدأ بما بدأ به الأنبياء من وضع النموذج الحي العملي للمعايير الربانية في الحياة «وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق» الذين كانوا لنا قدوة تحتذى، فهذا الشرع لن يحيا إلاَّ إذا اختلط بلحم ودم ومشى على الأرض وكل منا سيكتب قدوة خير أو شر كل في دائرة التأثير التي أكرمه الله بها وسيُسأل عنها، ومن سن سنةً حسنةً فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة.
ان هناك دوراً كبيراً وخطيراً لابد أن تقوم به هيئة الرقابة والتحقيق، والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، فان الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.
وهناك حاجة ماسة لتفصيل وتفعيل أنظمة واضحة تحكم التعاملات الإدارية والأنظمة الإدارية والمالية، فالمجتمعات تحتاج إلى القوانين والأنظمة والروادع كما تحتاج إلى القدوات الفعالة وإحياء الضمائر في النفوس، ولا يستقيم مجتمع بأحدها دون الآخر...
طبيب استشاري، ورئيس مجلس ادارة مستشفى المركز الطبي الدولي
فاكس: 6509659
okazreaders@imc.med.sa
إن تكوين هذه الهيئة الوطنية هو تأكيد وتوثيق وشهادة بَيِّنة أن ولي الأمر مُصمم على محاربة هذه الجرثومة والفيروس وعازم على استئصال هذا السرطان الذي يسري في المجتمع، وبإعلانه لهذه الحرب على الفساد الإداري والمفسدين قوَّى شوكة أهل الخير والمصلحين ومَايَزَ بَيْن الصفوف وانني انادي رجال الأعمال من أهل الخير والصلاح أن يجنِّدوا طاقاتهم ويسيروا وراء قائدهم ولي الأمر ويعلنوا حرباً على الفساد والمفسدين لا هوادة فيها ولا مداهنة. كان أهل الصلاح من رجال الأعمال حتى عهد قريب لا يجرؤون على أن يتحدثوا في المجالس الرسمية ويكتبوا عن الفساد الإداري والرشاوى وضياع الحقوق خشية أن يُتهموا في وطنيتهم ويُكاد لهم من المرتزقة الذين يعيشون على المال الحرام وينتفعون من انتشار وتفشي الفساد، وما علم هؤلاء المرتزقة الفاسدون أنهم هم أعداء الوطن وما يقومون به من أكل السُّحْت والرشوة وكل فساد إداري هو من أَمْقت صور الخيانة لله ولرسوله وللوطن.
كم هي سعادتي أن يُعلن ولي الأمر الحرب على كل هؤلاء ليعيد مفهوم الوطنية الحق إلى أرض الواقع مفهوماً وتطبيقاً فلا يتخفى خائن الوطن بثوب الوطنية.
وليس ببعيد عن ذلك أن ثمة مفاهيم كثيرة خاطئة لابد أن تتغير، ومن بينها أن التجارة أصبحت شطارة. وعندما نتعمق أكثر فنسأل هؤلاء التجار ماذا يقصدون بكلمة «أن تكون رجل أعمال شاطراً» فتجد أن تحت كلمة «شاطر» تندرج كثير من التعاملات غير الأخلاقية والبعيدة كل البعد عن المعايير الربانية وروح الشرع ومقاصده العليا وتحقيق مفهوم عمارة الأرض، ومراقبة الرب في الأخذ بالأسباب الطاهرة الشريفة بإصلاح النية، ومعاملة المسبب، وتحقيق الغايات النبيلة. ومثال ذلك أن يُبَرِّر التاجر «الشاطر» الرشوة بذريعة انه لا يأخذ حق غيره وبدونها تتعطل مصالحه، ويُبررها بانه يوازن بين المصالح والمفاسد، ومصلحة عمله تقتضي ذلك ولا يدري أنه يفسد المجتمع بأسره بعمله هذا، وصَدَق المجتمع وهو لا يدري عندما أضفى على هذا النوع من التجار اسم التاجر «الشاطر» ففي اللغة العربية الفصحى كلمة شاطر معناها سارق، والشاطر هو السارق والشطار هم السُرَّاق الذين يشطرون ويسرقون ما لا حق لهم فيه. سُئلت في المنتدى الاقتصادي الأخير في الجلسة الخاصة التي شاركت فيها بعنوان واجب المؤسسات تجاه مجتمعاتهم عن كيفية تغيير المجتمعات؟...
فكانت إجابتي هي أنه لابد أن نبدأ بأنفسنا، وسُقت أمثلة منها أن يكف رجال الأعمال وأصحاب الشركات الكبيرة عن استسهال اللجوء إلى الرشوة لإنهاء مصالحهم المعطلة التي كثيراً ما يعطلها المرتشون قصداً حتى يدفع صاحب المصلحة. وفي محاضرة ألقيتها قبل ستة أشهر لمجموعة من شباب رجال الأعمال ناديت فيها رجال الأعمال أن ينضموا معي في تطبيق طريقة عملية لمكافحة هذه الجرثومة اللعينة. فان واجهوا تعطيلاً مقصوداً لحقوقهم ومصالحهم من أجل إخضاعهم لدفع الرشوة فلا يقبلوا ولا يستسهلوا هذه الجريمة بل يطرقون أبواب الوزراء لإعلامهم بما يجرى في وزاراتهم من فساد لو علموا به لكانوا أول من حاربه وقضى عليه. وقد فعلت ذلك شخصياً عدة مرَّات ووجدت من كبار المسؤولين والوزراء تفاعلاً جيداً محموداً، وفي المقابل إن وجد رجال الأعمال موظفاً يحرص على القيام بمسؤولياته بكل إخلاص وأمانة وإتقان فليرسلوا بخطاب شكر إلى الوزير أن وضعوا هذا الرجل في هذا المكان فهو خير تمثيل للوزارة ولولي الأمر الحريص على أن يجد المواطنون حقوقهم أينما كانوا.
ومرة أخرى فقد أرسلت في السابق خطابات شكر وعلمت مؤخراً أن بعضها أعان على ترقية موظف نحسبه من الشرفاء الصادقين المخلصين وبذلك يساهم كل منا في إعانة وزرائنا على التعرف على الصالح والطالح من موظفي وزاراتهم وبذلك نكون قد ساهمنا في زيادة الخير وتقليل الشر ومكافحة الفساد الإداري عملياً.
ان تغير المجتمعات لابد أن يبدأ بما بدأ به الأنبياء من وضع النموذج الحي العملي للمعايير الربانية في الحياة «وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق» الذين كانوا لنا قدوة تحتذى، فهذا الشرع لن يحيا إلاَّ إذا اختلط بلحم ودم ومشى على الأرض وكل منا سيكتب قدوة خير أو شر كل في دائرة التأثير التي أكرمه الله بها وسيُسأل عنها، ومن سن سنةً حسنةً فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة.
ان هناك دوراً كبيراً وخطيراً لابد أن تقوم به هيئة الرقابة والتحقيق، والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، فان الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.
وهناك حاجة ماسة لتفصيل وتفعيل أنظمة واضحة تحكم التعاملات الإدارية والأنظمة الإدارية والمالية، فالمجتمعات تحتاج إلى القوانين والأنظمة والروادع كما تحتاج إلى القدوات الفعالة وإحياء الضمائر في النفوس، ولا يستقيم مجتمع بأحدها دون الآخر...
طبيب استشاري، ورئيس مجلس ادارة مستشفى المركز الطبي الدولي
فاكس: 6509659
okazreaders@imc.med.sa